التوضيح الأنجح الأنفع في بيان طرق التبليغ الأنجع " الجزء الأخير''

 

                            التوضيح الأنجح الأنفع في بيان طرق التبليغ الأنجع


13 ـ طريق الإخلاص وترك الرياء واحتساب الأجر عند الله تعالى

أيها السادة الأئمة الكرام والخطباء والوعاظ والمرشدون والأعضاء، إن كل ما سبق من طرق التبليغ الأنجع، روحها وسر نجاحها: هو هذا الطريق، فإذا لم يكن هناك إخلاص وترك للرياء واحتساب الأجر عند الله، فإن كل ما سبق يذهب هباء منثورا، فالإخلاص الإخلاص تنجوا وتفوزوا في الدارين، وإياكم والرياء والسمعة وليقال، وعليكم باحتساب الأجر عند الله تعالى، على الرغم من أن الجميع له أجر دنيوي، وهذا لا بد منه للتفرغ للتبليغ والدعوة إلى الله والنصح للناس، {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ اُ۬لْحَيَوٰةُ اُ۬لدُّنْي۪ا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ اِ۬لْغَرُورُۖ}، فالله الله في أنفسكم وفيما ولييتم عليهم وما اؤتمنتم عليه من الأمانة الدينية.

ومن الأدلة:

ـ إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ اَ۬لْكِتَٰبَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اِ۬للَّهَ مُخْلِصاٗ لَّهُ اُ۬لدِّينَۖ أَلَا لِلهِ اِ۬لدِّينُ اُ۬لْخَالِصُۖ

ـ وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ اُ۬للَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ اُ۬لدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ اُ۬لصَّلَوٰةَ وَيُوتُواْ اُ۬لزَّكَوٰةَۖ وَذَٰلِكَ دِينُ اُ۬لْقَيِّمَةِۖ

ـ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاٗ صَٰلِحاٗ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَداٗۖ

ـ عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها ؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت قال : كذبت ولكن قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال : فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال : كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال : فما عملت فيها ؟ قال : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال : كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل : ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار .

ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال اللَّهُ تَبارك وتعالى: {أنا أغْنَى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فيه مَعِي غيرِي، تَرَكْتُهُ وشِرْكَه}.

ـ وَمَنَ اَحْسَنُ قَوْلاٗ مِّمَّن دَعَآ إِلَي اَ۬للَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحاٗ وَقَالَ إِنَّنِے مِنَ اَ۬لْمُسْلِمِينَۖ

ـ مَن دعا إلى هُدًى كان له مِن الأجرِ مِثْلُ أجورِ مَن تبِعهُ لا ينقُصُ ذلك مِن أجورِهم شيئًا، ومَن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه مِن الإثمِ مِثْلُ آثامِ مَن تبِعهُ لا ينقُصُ ذلك مِن آثامِهم شيئًا.

ومن لم تحرك فيه هذه الأدلة شيئا وأصر على طلب الأجر من غير الله، وعلى العمل لغير رب الأرباب، فليحاول جاهدا أن ينتهي عن هذا، فإن الأمر ليس بتلك السهولة التي يتصورها البعض، فإن القرار مصيريّ، فإما أن تنجو في الجنة، وإما أن تخسر في النار، نعوذ بالله أن نكون من أهل النار، ونسأله أن يجعلنا من أصحاب الجنة، بفضله ومنه وكرمه، وهو لذلك أهل، آمين.

أيها الحاضرون والمستمعون المبلغون، اعلموا رحمكم الله أنكم معنيون بخطة تسديد التبليغ، وأنكم المحور فيها وقطب الرحى، لأنكم أقرب إلى الناس وأعلم بهم وبما يحتاجونه من أمور الدين والشريعة، وأنكم مطالبون ومسؤولون أمام الله ورسوله وأمام أمرائكم والمومنين {وَقُلِ اِ۪عْمَلُواْ فَسَيَرَي اَ۬للَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَالْمُومِنُونَۖ}، وهذا واجب بحكم موقعكم وليس اختيارا، واعلموا أنه لن تفلحوا ولن تنجحوا في إمامة الناس في الخير والتسديد إلا بالمشي في هذه الطريق طريق التبليغ بالسبل التي ذكرت وبغيرها مما لم يذكر، وهذه الطرق باختصار وإدماج وإجمال هي:

1 ـ طريق العمل والجد والدعوة والتبليغ وعدم الكتمان

2 ـ طريق الذهاب إلى الناس واستغلال الوسائل المتاحة

3 ـ طريق المعاشرة والاختلاط والقرب من الناس والصبر على الأذى

4 ـ طريق العفو والصفح والإعراض عن الجاهلين

5 ـ طريق الحرص وحب الخير للناس والنصح والدعاء لهم

6 ـ طريق معاملة الناس ووعظهم باللين والرفق والموعظة الحسنة والتواضع

7 ـ طريق التيسير ورفع الحرج والتوسط ومخاطبة الناس على قدر عقولهم

8 ـ طريق الإحساس بالمسؤولية وحمل الأمانة والإرث الثقيل

9 ـ طريق الإسوة والقدوة

10 ـ طريق التحدث بلغة القوم

11 ـ طريق العلم والتفقه في الدين قبل التفقيه

12 ـ طريق الإحكام والإحسان والإتقان في العمل

14 ـ طريق الإخلاص وترك الرياء واحتساب الأجر عند الله تعالى

وإلا، فهذه التي ذكرت يخرج منها أكثر بالتفصيل، زيادة على ما قد يكون خفي عني ولم أنتبه له، فإن بعضها قد زدته حين التنقيح والتهذيب، ولم يكن حين عرض هذه الطرق على السادة الأئمة والخطباء، وكل عمل لا بد فيه من نقص، وهذا العمل الآن أمام الجميع، والكل معني كذلكم بالمساهمة فيه إما بزيادة ما يكون قد ترك، وتصحيح ما قد يكون من أخطاء، وما لديه من اقتراحات وتوصيات وتنبيهات، فكلنا بحاجة إلى ذلكم.

تنبيه:

هذا التنبيه لا بد منه، وهو أن بعض الآيات ذكرت في حق المشركين والكفار، والاستدلال بها ها هنا، ليس لأنني أخاطب الكفار، بل الكلام موجه لإخوتي من المسلمين، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمره الله بأمور ومعاملات في حق الكفار كالعفو والصفح، وأولى بهذا أخوك المسلم، فاعلم أنه أخوك، وأن ما عملته حسنا كان أو سيئا فهو يسجل في صفحتك لا في صفحة غيرك.

وقد تركت التعليق على الأدلة، لأن المخاطبين أدرى بذلكم، ولكي لا أطول، كما أنني حاولت الاكتفاء بما هو ضروري من الكلام في كل نقطة مخافة الإطالة، وإن أكثرت في البعض، إذ المقام يقتضي هذا، كما أن الإحالة سيطول بها الكلاموتركتها، وربما إلى وقت لاحق إن يسر الله.

وأرجو أن أكون قد وفقت في هذا العرض، وأن يكون خالصا لله رب العالمين، {يَٰقَوْمِ لَقَدَ اَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّے وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ اَ۬لنَّٰصِحِينَۖ}.

 إن قلبي لا يطاوعني أن أمر كأني فقط أؤدي وظيفة ثانوية، آخذ عليها أجرا كي أصور وأنشر، ليقال قد قام بوظيفته، ولكن هذا الكلام نابع من الإحساس بالمسؤولية الثقيلة التي حملناها تكليفا وتشريفا لنا من عند الله، على الرغم من أننا لم نبذل قصارى جهدنا، وأننا لو رجعنا للوراء لما اخترناها، {وَحَمَلَهَا اَ۬لِانسَٰنُ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُوماٗ جَهُولاٗ }، وكلي أمل أن تعطي هذه الكلمة ثمارها، وأن نستيقظ من غفلتنا وسباتنا، وأن يوفقنا الله ويجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم، وإلا فياحسرتاه وأسفاه، نعوذ بالله من الخذلان وسوء العمل واتباع الهوى، وقدوتنا في كل ما قيل وما يقال من الخير والصلاح والنصح والتبليغ: رسولنا الأكرم ونبينا الأعظم، صلى الله عليه وسلم، والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل، وصل اللهم وسلم وبارك على نبيك وعبدك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، وارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

والحمد لله رب العالمين.

وكتبه أخوكم ومحبكم في الله، ومحب دعواتكم، ومحب الخير لكم: الطالب علي الحبيب، وفقه الله وسدد خطاه، وحقق مسعاه، ببلوغ وجعل الجنة مثواه، بكرم ومن وفضل ربه ومولاه، وغفر له ولوالديه ولأشياخه وأقاربه وأحبته وجميع المسلمين والمسلمات والمومنين والمومنات الأحياء منهم والأموات.

                 الإمام المرشد: علــــــــــي الحبيب


تعليقات