التبليغ من خلال القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم




الحمد لله رب العالمين .والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين.

لقد كلفنا بتلخيص مضامين كتاب " أمانة التبليغ تأصيلا وتنزيلا" للدكتور مصطفى بن حمزه حفظه الله.وهو أحد الكتب المعتمدة في خطة تسديد التبليغ. والكتاب كما هو مبين من عنوانه مقسم الى قسمين: الاول تحدث فيه المؤلف عن التبليغ من جهه التأصيل وذكر فيه آليات النجاح فيه وشروطه استنادا الى ما جاء في كتاب الله وعمل الرسل والانبياء .والقسم الثاني تناول فيه التبليغ من جهة التنزيل.

إن عنوان الكتاب يحيلنا الى ان التبليغ من جملة الامانات التي اؤتمن عليها الانبياء والعلماء والمصلحون فوجب تأدية هذه الأمانة امتثالا لامره تعالى:(( إن الله يامركم أن تودوا الأمانات الى أهلها)).

وقد كانت حياته صلى الله عليه وسلم كلها امتثالا وتنفيدا لدعوة التبليغ التي تلقاها عن ربه قال تعالى((قم فأنذر)).

وللوقوف على مفهوم التبليغ، فقد تجاوز المؤلف المعاجم اللغوية الى كتب التعاريف والاصطلاح ليخلص إلى أن التبليغ هو فعل إيصال وأداء الى الغير ،وهو في حالة تبليغ الاسلام يتطلب وجود الآمر بالتبليغ وهو الله سبحانه وتعالى ،كما يتطلب ايضا وجود المكلف بالتبليغ وهو الرسول اصالة وعلى أثره يأتي ورثته من العلماء الذين يقتدون بفعله ويقومون مقامه في امتهم.كما يقتضي التبليغ وجود طرف ثالث وهو المستقبل للخطاب وهو المقصود به والمستفيد منه.

ثم انتقل المؤلف الى الحديث عن التبليغ وعلاقته بمباحث العقيدة، فبين أن أركان الإيمان وأسسه كلها تحيل على معنى التبليغ.

وفي علاقة التبليغ بأعمال الرسل.فإن  الانبياء والمرسلين هم المبلغون عن الله تعالى والموقعون عنه.لذلك كان التبليغ  صفة واجبة في حق الرسل كما يقول علماء الكلام، وقد  اشار الى ذلك ابن عاشر في قوله: يجب للرسل الكرام الصدق ... أمانة تبلغهم يحق.

 وفي المقابل يستحيل في حقهم الكتمان أو أي عرض يعوق أداء رسالة التبليغ.

 ثم انتقل المؤلف الى التحدث عن التبليغ من خلال الكتاب والسنة، باعتبارهما المصدرين الاساسيين اللذين يجب اعتمادهما تحديدا في استخلاص التوجيهات والارشادات التي تكفل أداء رسالة التبليغ بنجاح. فبدأ بالتبليغ في القرآن الكريم (وهو ما سأقتصر عليه ان شاء الله ).

إن القرآن الكريم كان وما زال هو البلاغ الاقوى كما وصفه الله عز وجل:((هذا بلاغ للناس ولينذروا به))

وبتتبع آيات الكتاب العزيز يمكن الوقوف على مجموعة من الاشارات يعتمدها المبلغون اسلوبا للعمل. وقد أجملها المؤلف في أربع حقائق موضوعاتية تتناول كل واحدة منها جانبا من متطلبات التبليغ .

>الحقيقة الاولى:[ نوعيه لغه التبليغ في القران]

لقد اهتم القرآن الكريم  وهو كتاب البيان الاعلى بالجانب اللغوي الذي يجب ان يوظفه التبليغ. لان المتن اللغوي هو حامل المضامين ومؤديها الى المخاطب. والألفاظ هي حصون المعاني كما قيل،فلفت القران الكريم انظار المبلغين الى ضرورة انتقاء لغة عالية في قمة الرفق واللطف،وتجنب الفاظ تستفز مشاعر المخاطبين ، حتى لا يتحول الخطاب من محاورة الافكار الى مخاصمة الاشخاص.

وقد قدم القران الكريم نماذج من خطابات الرسل التي توجهوا بها الى أقوامهم.قال تعالى:((قال يا قوم ليس بي ضلالة )) قال عز وجل :((وياقوم لا أسألكم عليه مالا))وقال تعالى:((والى مدين اخاهم شعيبا)) ...

والقران الكريم يسجل أن حميمية الخطاب ورقته كانت سمة خطابات الانبياء جميعهم، وذلك ما كان يوثق صلات الاحترام بينهم وبين الناس.وقد أمر الله تعالى موسى واخاه هارون بإلانة القول لفرعون رغم طغيانه فقال تعالى:(( فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى))

 والمستخلص من الانة الخطاب هو إبراز أن المخاطب لا يستجيب لمن أغلظ له القول أو حط من كرامته. وهذا ما اشار اليه القران الكريم في قوله تعالى:(( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك))

والاكيد ان رقه خطابات الانبياء وابنائهم والمتابعين لهم، تختلف كليا عما ينطق به بعض من يوجهون الناس حاليا ،فيتعمدون الفاظا قويه يقصفون بها المخاطبين وقد يصلون الى درجه اتهامهم بالابتداع والضلال، لمجرد اختلاف حول شيء ليس من اصول الدين وثوابته .وقد فاتهم ما قاله الامام الشافعي في حكمته التي توجه بها الى تلميذه يونس الصدفي بعد ان قاطعه يونس إثر خلاف بينهما، فقال الامام الشافعي ياأبا موسى ألا يستقيم ان نكون اخواننا وان لم نتفق في مسألة.

الحقيقه الثانية:[حاجة التبليغ الجيد الى التفكير والتخطيط القبلي]

 لقد أفصحت الكثير من الآيات القرآنية عن أن التبليغ عمل ذهني وفكري دقيق قبل ان يكون مجرد ممارسة بدنية تؤديها اللغة ويعبر عنها اللسان. لذلك فقد كان من شروط النبوة الذكاء والفطانة. ما دام التبليغ يحتاج الى عمليات ذهنية مختلفة .ومن قبل ان يوجه الداعي خطابه الى المستهدف به فان ذلك يتطلب منه التحقق من تقنيات الاداء الكفيلة بتحقيق النتائج الايجابية المتوخاة، كما يتطلب الموقف معرفة الفروق النفسية والاستعدادات الفردية التي يتسم بها المدعوون. وشاهد هذا من تبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم انه وان كان يدعو الناس عامة ،إلا أنه كان يحرص على إيمان اشخاص معينين يحتكمون الى عقولهم وفطرهم السليمة، فدعا ربه قائلا اللهم اعز الاسلام باحب هذين الرجلين اليك بابي جهل، أو عمر بن الخطاب ،قال: وكان أحبهما اليه عمر .ولا شك ان النبي صلى الله عليه وسلم قد علم في الرجلين قوة في التفكير واستقلالا في الشخصية وصلابة في العزم وقدرة على تحمل أمانة التبليغ .

وكان أوائل الصحابة الذين استجابوا للدعوة على جانب كبير من الفطنة والتعقل والذكاء والقدرة على التمييز والتمحيص، وقد برزت رجاحة عقولهم في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد مماته، في مناسبات عصيبه احتاجت فيها الدولة الاسلامية الى عقلاء يدبرون امرها.

>الحقيقة الثالثة:[ تعدد خطط التبليغ]

من خلال تأمل آيات القران الكريم التي استعرضت جهود الرسل وصورت طرائقهم في التبليغ، يتبين أن الطرائق كانت تتعدد حسب الظروف والمجتمعات التي يتوجه فيها الرسول الى قومه.ولعل من أبرز نماذج هذا التنوع في صيغ الاداء والخطاب قصه سيدنا ابراهيم عليه السلام مع النمرود الذي حاجه في ربه،وقبل  ذلك قصته مع قومه عندما حطم اصنامهم ((قالوا آنت فعلت هذا بالهتنا يا ابراهيم)) قال ((بل فعله كبيرهم هذا فاسالوهم ان كانوا ينطقون ))وفي هذا الحوار الذكي وأسلوب المناظرة الذي وظفه سيدنا ابراهيم استفزاز للعقل ليفكر تفكيرا حرا طليقا من أغلال السعاده الأسرة.

 لقد ترك ابراهيم عليه السلام اسلوب التقرير المباشر وانتقل الى اعتماد اسلوب الحوار الذي استنبط به الحقيقة من اعتراف الخصم، وكل هذا يفيد ان التبليغ يحتاج الى اعتماد أساليب ذكية تتجاوز مستوى الخطاب المباشر والتقرير العادي .

>الحقيقهة الرابعة:[ ضرورة تعدد المبلغين وتآزرهم]

من الحقائق المنبثة في كتاب الله أنه عرض لكثير من حالات التآزر التي كانت بين كثير من الانبياء وهم يؤدون رسالة التبليغ.

وقد بين القران بوضوح  أن الأمر قد يتطلب أن يتعاقب رسل متعددون في المكان الواحد، وفي الحيز الزمني الواحد.وقد قدمت سورة ياسين صورة جلية عن تظافر المبلغين، إذ أرسل الله رسولين الى أهل قرية فكذبوهما ،فعزز بثالث، فلم يستجيبوا لهم، ثم جاء من أقصى المدينة رجل ،فدعم رسالة من سبقه بأسلوب جديد، استعمل فيه البيان والفصاحة البالغة، فقال:((ومالي لا أعبد الذي فطرني واليه ترجعون)).

 والقصد من حشد الانبياء في الحيز الواحد ابراز ان التبليغ مهمه شاقه تحتاج الى تعاون ومؤازرة. ومن أسرة ابراهيم عليه السلام تشكلت حلقة مبلغة عن الله، كان كل فرد منها يؤدي الرسالة ويورثها من بعده، فقد كان يعقوب إبنا لاسحاق، وحفيدا لابراهيم، لم يفته ان يجمع بنيه ويعهد اليهم مجتمعين بالمحافظه على عقيده التوحيد ،قال تعالى:(( أم كنتم شهداء اذ حضر يعقوب الموت اذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد الهك واله آبائك ابراهيم واسماعيل واسحاق الها واحدا ونحن له مسلمون)).

 أما بخصوص رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فكان الصحابة رضي الله عنهم عونا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على التبليغ، فنقلوا القران غضا كما تلقوه، ونقلوا السنة النبوية كما تلقوها من النبي صلى الله عليه وسلم، وعملوا بها في حياتهم.

 ومن خلال ما سبق استعراضه من تبليغ الرسل ومؤازرة أتباعهم لهم، فإنه يصح أن نستنتج أن الوحي قول ثقيل كما وصفه تعالى:(( انا سنلقي عليك قولا ثقيلا))وأنه رسالة شاقة يحتاج الى المؤازرة، لأن المطلوب هو ان تبلغ الرسال أكبر عدد من الناس، وذلك يتطلب أن يكون المشتغلون كثيرين، ليشتغلوا على مشروع واحد، ومن زوايا مختلفة.

وفي عصرنا الراهن تشتد الحاجة الى تآزر المبلغين، ويتعين أن تسهم في التبليغ مؤسسات التعليم والاعلام، وتوظف فيه علوم شتى وتخصصات شرعية واجتماعية ونفسية وفنية كثيرة، وإذا أهمل المبلغ هذه الكفاءات ولم يستعن بها والغاها من اعتبارهد فإنه يعوق مشروعه ويمنعه من الانتشار والاستمرار، ومن ثم كان مشروع التبليغ في حاجه الى ان يكون عملا جماعيا ومؤسسيا تشترك فيه اطراف متنوعة الخبرات والقدرات والمقاربات .

                                         

                           المرشدة: فاطمة بن يوسف


تعليقات